جالسه أمام البحر الواسع , تاركةً العنان لدموعي بالنزول, اليأس يتملّك قلبي , كنتُ أشكي للبحرعن خيانة زوجي وصديقتي المقربة , عند هروبهم معاً وترك الديون تتراكم فوق رأسي , تمنّيت أن أموت وأولد مرةً أُخرى لِأَعيشَ حياةً أفضل , لِلَحظه رأيت ذلك الطفل الذي على وشك الغرق ,لم أستطع تجاهل الأمر لِذا قفزت فالبحر مسرعة نحو الطفل , بدأتُ بِسماع بكاء وصراخ النّاس لابدّ أنّهم لاحظوا طفلهم, فتوجه والده بقاربه بينما أنا أسبح ناحيته, وصلت بجانبه وبدأت برفعه عن الماء لِيُمسكه والده ويجلسه في القارب,عندما مد يده لِيَرفعني عن الماء, شعرتُ بالبحر يشدّني لِأعماقه لم أستطع المقاومة, آخر ما رأَته عيناي هو إختفاء الشمس ...هذا ما يُسَمى بالكسوف.
أِستعدتُ أنفاسي فجأةً لِأَشهق بقوة وكأنّ قلبي عاد لينبض مرةً أخرى لكن ..! أين أنا بالضبط ؟ إنّه أشبه ببيتٍ قديم من العصور التاريخية القديمه, حاولت الوقوف لأستكشف أكثر عن ما حولي, لِأَرَى سلةً كبيره تحتوي على زجاجات زرقاء لامعه, ويوجد على كل زجاجة إسم شخص غريب, توَقفت عند زجاجة حمراء مكتوبٌ عليها " ركاشا" من هو يا ترى ؟ ولِما لون زجاجتهِ مختلف عن الباقيات؟؟ظللت أفتّش في أركانِ المنزل مع إنها ليست من عادتي لمس أشياء غيري, لكنَّني أحتاج أن أعرف أين أنا, الفضول يقتلني بالنّسبةِ لركاشا هذا , أشعر أن إسمه مألوفٌ لي بعض الشي وكأنني سمعته أثناء فترة دراستي لحصة التاريخ ,حيث كانت معلمتنا تخبرنا بقصص الأساطير القديمة التاريخية, نعم !!!!!!!! تذكرته إنه ذلك الذي يرتدي قناعاً أحمر ذو ثلاثة أعين ...
قيل قديماً في الأساطير البوذيه والهندوسية عن وجود كائن متعّطش للذكريات السعيدة, حيث كانت عينه الوسطى قوية تمتص الذكريات السعيدة من رؤوس البشر لتتبقى فقط الذكريات السيئة ,ويضعها في زجاجات ويحتفظ بها بسبب ماضيه الشنيع ,إنه لم يعيش أبداً لحظةً سعيدة في حياتهِ وبَقِيَ طوال عمره في إمتصاص الذكريات قهراً وانتقاماً لِما حصل لهُ بالماضي ..
أفاقني صوتها من دوامة أفكاري...
جيهان : جهينه !! أُخرجي حالاً المكان خطير..
إلتفت لِمصدر الصوت وخبّئت الزّجاجة الحمراء في جيبي : لكن من أنتي ؟؟ أين انا؟؟ومن جهينه هذه ؟؟
جيهان(تتكلم الى نفسها): يا الهي هل أصابها الآن مستحيل !
جهينه بفم فاه: ماذا أصابني ؟؟؟! مالذي تتحدثين عنه؟؟
جيهان:سأخبركِ لاحقا لكن الآن تعالي معي فالمكان خطير..
نظرت لها باستفهام لكنها شدّتني من يدي لِأَتبعها إلى كَهفٍ صَغير ,تتوقف فجأه وتحتضني بقوة ..
جيهان (بصوت باكي ): إنني أسفة جدا يا أختي العزيزة لم أقصد أن أجرحك لا تبتعدي هكذا مرة أخرى كدت أموت خوفا عليكِ.
لَم أستطع الرَّد عليها أشعر بالغرابةِ ,ولم تقول لي أختي...!! لا مستحييل!!!
نظرتُ إليها وسألتها بسرعه : في أي سنةٍ نحن؟؟؟؟؟
جيهان وعلامات الإستفهام على رأسها : 388 ميلادي لماذا !!!!
صُعِقتُ بشدة يالهى كيف يمكن أنني مِتُّ غرقاً في البحر وولِدت مرةً أُخرى في زمنٍ مختلف ,ليس بالأمر السَّهل إستيعاب ماحصل لي !!إذاً إذا كانَ ركاشا الأسطورة المخيفة فَإن هذهِ الفتاةُ!! جيهان ؟؟ من أشهر الإناث شجاعةً في التَّاريخ هل أنا في جسد أختها جهينه؟؟ لاشك في ذلك.
جيهان: جهيينه أفيقي أين ذهب عقلك !!
فأجبتها : عذراً لقد شرد ذهني قليلاً..
جيهان ببتسامه : لا بأس يا عزيزتي...
الآن يجب علينا أن ننام قليلا فقد كان يوماً حافلاً بالمفاجآت , حاولتُ النوم لكن لم أستطع نظرتُ لأختي جيهان, تبدو مرهقه جداً إنني حقاً آسفة أرجوك تحمَّلي قليلاً حتى أفهم مالذي يحدث ,شعرتُ بشيءٍ صلب في جيبي فوضعت يدي فيه لِأرى الزجاجة الحمراء التي أخذتها من ذلك البيت لابد أنه بيت ركاشا الأسطورة المخيفة, بدأ الفضول يلعب بعقلي حتى فتحت الزجاجة لأشتم راحة السائل الغريب, فأسمع فجأة صواً مفزعاً وينسكب السائل في فمي ,شعرت بالدوار حتى فقدت الوعي..
فتحت عيني فأرى نفسي في ذلك المنزل مرة أخرى, لكن لم أكن لوحدي فقد كان ركاشا جالسا على سريره يبدو وكأنني أرى ماضيه ,كان صغير السن ماسكاً بزجاجة زرقاء تقدمت ببطء ناحيته ..
قلت لألفت انتباهه : احم احم
لكن لم تتحرك شعرة واحده منه كررت المحاولة لا فائدة ,أيقنت أنه لا يستطيع رؤيتي أو سمعي فجلست بجانبة كانت الابتسامه مرسومة على شفتيه حقا لا يبدوا يذلك الشر عندما يبتسم بهذه البراءه ,كان يحمل في يده زجاجة زرقاء فقلت بأسف هل هذا ماكنت سعيداً من أجله؟؟ ذكريات ضحية أخـ.... لم أكمل كلامي بسبب ملاحظتي للأسم المكتوب على الزجاجة انها الذكريات السعيدة الخاصة ب ركاشا وليست ذكريات ضحية أخرى كما ظننت ,رفع رأسه للسماء بطريقة أرعبتني وأنزله موجهاً نظره لي ,فزع قلبي من نظرته كانت مخيفةً لكنها حزينةً نوعا ما وكأنهُ طفل صغير فقد لعبته , أمسكني من ياقتي ليقول:"أنقذيني أرجوكِ ستجدينها وراء المنزل " شعرت بماء بارد على وجهي ,فأغمضت عيني وفتحتها لأجد أختي جيهان ..
جيهان بقلق :هل أنتي بخير ؟؟؟
أجبتها وأنا أحاول تجاهل ألم رأسي الذي أصابني فجأه: نعم لماذا ؟؟
جيهان :لقد كنتي تتكلمين أثناء نومك ..
توترت فعلا فحاولت التهرب من الموضوع : سأذهب للخارج لأستنشق بعض الهواء قليلا..
جيهان : حسنا لكن لا تتأخري فسنذهب للقرية بعد قليل لنبقى في بيت جدتي, فقد سمعت أن هناك معركة ستحدث عما قريب.
أومأت لها بالموافقه وقمنا بالتجهيز للذهاب, إمتطت أختي فرسها الأبيض وذهبت معها, قضينا ساعاتين حتى وصولنا إلى القرية وأستقبلتنا الجدة استقبالاً باهراً .
الجده بصوتٍ جاد : جهينه أريدكِ في موضوع مهم
أخافتني نبرة صوتها : حسناً ماذا هناك ؟
الجده :لقد لمحت زجاجة في جيبك هل يمكن أن أراها .
تجمدت في مكاني لا محال أنها أكتشفت أمري, لم أعارض وأخرجت الزجاجة من جيبي لأريها ,كان فمها يكاد أن ينشق من شدة إبتسامها وقالت : يقال عن ركاشا أن الأمل الوحيد لتطهير روحه هي أرجاع ذكرياته السعيدة له وأظن أنكي المختارة لفعل هذا يا بنتي.
في محاولة التهرب منها : لا لا هذا مستحيل كيف لفتاة مثلي أن تفعل هذا..
الجدة : إنه الواقع عزيزتي لا تضيعي الفرصة إذهبِ إليه قبل أن يقتله الملك في معركة اليوم..
وتركتني في حيرتني...هل إذا فعلت هذا سأغير التاريخ؟؟ هل سيذكر هذا الذي يسمى ركاشا بالخير في المستقبل يا ترى ؟؟ لا يوجد شيئاً مستحيل الآن بعد كل ما مررت به , إنتظرني يا ركاشا أنا قادمة لإنقاذك, ذهبت الى الغرفة المخصصة لي بعد أن كذبت على جيهان بأنني سأنام قليلا لشعوري بالتعب طوال هذا الطريق, بدأت في لم أغراضي وارتداء قناع لأخفي هويتي فقد منع الملك من مغادرة أي أحد من القرية ,تسللت الى الخارج بحذر حتى رأيت خيل أختي الأبيض, لم أمتطي مرةً خيلاً لوحدي فقد كان أبي دوما يتولى قيادته طبعا في المستقبل ,حاولت إمتطاءه ولم أستطع يبدو أنه لا يحب أن يمتطيه أحد غير جيهان ,سمعت صوت صفيراً لألتفت ناحية مصدره ,رأيت الجدة مبتسمةً ممسكةً بخيلٍ بني اللون , تقدمت ناحيتي لتهديني الخيل قائلة :"هذا خيلك يابنتي فلتنتبهي الى نفسك أقنعيه بوجود ذكرياته فهو سينكر ذلك لا تستسلمي أنقذيه وأنقذي نفسك إن الأمر بيديك الآن", ظللت أراها وأتملها وهي تمشي بعيدا حتى أختفت عن ناظري , رسمت أبتسامة شكر في داخلي إنني أبصم بالمئة أنها آتيه من المستقبل, ذهبت بواسطة خيلي إلى منزل ركاشا فقد كانت سرعة الخيل كالبرق, نزلت مسرعة وذهبت الى خلف المنزل قضيت وقتاً لأبحث عن الزجاجة حتى وجدتها, أرتسمت على شفتي أبتسامة نصر لألتفت خلفي وأراه واقفا أمامي..
قلت له متجنبةً الرؤية في عينه : لا داعي بأن تظهر بهذا الشكل المخيف.
ركاشا بسخرية :ماذا تفعل فتاة مثلك هنا ؟؟هل أتيتي للإنتحار؟
لوحت بالزجاجة الزرقاء الخاصة به أمامه لتبدأ ملامح وجهه بالتغير إلى حزنٍ وشوق, تقرب مني ببطء وكأنه لا يصدق ماتراه عيناه وقبل أن تلامس يديه الزجاجة نفض رأسه يمينا ويسارا وكأنه يطرد أفكاراً من رأسه لترجع ملامح وجهه القديمة ويبتعد ...
ركاشا بضحكة شريرة : لااا لن تنجحي بهذا أبدا كما عشت حزيناً سيعيش الجميع حزيناً وخاصةً أنتي ..
بدأ بإلقاء قوته علي في محاولة إمتصاص ذكرياتي حتى رميت الزجاجة عليه فتتحطم وتنسكب ذكرياته عليه ويفقد الوعي..
بالنسبة لركاشا...
أفقت فجأه لأشعر بشعورٍ غريب لكنه حقاً مريح, دافئ لم أشعر مثل هذا الشعور منذ أن كنت صغيرا في أحضاان أمي, بدأت الرؤيه حولي تتضح أكثر ,إنني أرى وجه أمي مضيئاً كضوء القمر, أغمضت عيني وتمسكت بها بقوة قائلاً :"أمي أشتقت لك" فأجابتني :"وأنا أيضا يا عزيزي أشتقت لك كثيرا "مرَّت لحظات صمت ثم أكملَت "كُن رجلاً صالحاً يا بني حان وقت الأستيقاظ " رمشت قليلا لأجد نفسي مستلقياً على سريري وبجانبي تلك الفتاة الغريبة ..
بالنسبة لجهينه ..
بعد أن فقد الوعي حملته بصعوبة إلى داخل المنزل وجلست بجانبه حتى أفاق, كان ينظر لي ببتسامة مليئة بالسعادةِ, خرج مسرعاً من منزله دون أي كلمه, حاملاً سلة الزجاجات الزرقاء لجميع ضحاياه ,لحقت به لأرى مالذي ينوي فعله يا ترى ؟ ضربت رأسي بكف يدي وأنا أضحك على سوء فهمي, ظننته سيؤذي أحداً لكنه بدلاً من ذلك كان يرجع الذكريات السعيدة الى أصحابها, شعرت حقاً بالفرح بمجرد رؤية شفتيه تبتسم وهو يُرجع ما سلبه منهم ,بدأ الجميع بمدحه ومحبته مما جعله يكتسب شعوراً جديد وهو الفخر ...
شعرت وكأنَّ الشمس تختفي ,رأيت كسوف الشمس في السماء, لم أستطيع أن أنطق بكلمة فقد أغمضت عيني وفتحتها لأجد نفسي في سرير أبيض وغرفة بيضاء بجواري باقة أزهار مذا حدث ؟؟هل عدت الى الحاضر ؟؟نهضت من على السرير بحذر, كنت أشعر بألم كبير في أنحاء جسمي وكأنني لم أتحرك لسنة كاملة لا أصدق هل كل ماحدث لي كان حلما ؟؟ مشيت للنافذة لأرى المدينة والسيارات والاجهزة الحديثة إنه فعلاً الحاضر ,لمِحتُ كتيباً صغيراً مرمياً على الأرض, مسكته بكلتا يدي ونظرت إلى غلافه وتصفَّحته, إنه يحكي ماحدث لي في ذلك المكان تماماً فقلت ببتسامة "نجحت يا ركاشا فقد تم ذكرك بالخير في قصص التاريخ القديمة ..