لا تغضـــب ... واسْتَعِـــذْ بالله من الشيطان الرجيم ...
الغضب شعلة من النار ، والانسان ينزع فيه عند الغضب عرق الى الشيطان الرجيم،
حيث قال: (خلقتني من نار وخلقته من طين) الاعراف ـ 12، فإن شان الطين السكون والوقار وشان النار التلظي والاشتعال والحركة. يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للرجل الذي قال له اوصني قال (لا تغضب) فردده عليه مرارا. وفي حديث اخر ان ابن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل؟ قال (لا تغضب).
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). وعن عكرمة في قوله تعالى: (وسيدا وحصورا) ال عمران ـ 39، قال: السيد الذي يملك نفسه عند الغضب. وكان يقال: اتقوا الغضب فانه يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل. والغضب عدو العقل.
الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام ، فمتى غضب الانسان ثارت نار الغضب ثورانا يغلي به دم القلب وينتشر بالعروق ويرتفع الى اعالي البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة وكل ذلك يحكي لون ما وراءه من حمرة الدم ، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها وانما ينبسط الدم اذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه .
فان كان الغضب صدر ممن فوقه ، وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد الى جوف القلب فصار حزنا ولذلك يصفر اللون وان كان الغضب من نظير يشك فيه، تردد الدم بانقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب فالانتقام هو قوت لقوة الغضب.
من المعلوم ان الناس في الغضب على درجات ثلاث: افـــراط وتفريــــط واعتــدال
فلا خير في الافـــراط :
لانه يخرج العقل والدين عن سياستهما، فلا يبقى للانسان مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار.
ولا خير في التفريط في اهمال الغضب :
لانه يجعل الانسان لا حمية له ولا غيرة فقد الغضب بالكلية، عجز عن رياضة نفسه، اذ الرياضة انما تتم بتسلط الغضب على الشهوة فيغضب على نفسه عند الميل الى الشهوات الخسيسة
ومن المعلوم انه متى قويت نار الغضب والتهبت، اعمت صاحبها، واصمته عن كل موعظة، لان الغضب يرتفع الى الدماغ فيغطي على معادن الفكر وربما تعدى الى معادن الحس، فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه وتسود الدنيا في وجهه ويكون دماغه على مثال كهف اضرمت فيه نار فاسود جوه وحمي مستقره، وامتلأ بالدخان وكان فيه سراج ضعيف فانطفأ، فلا يثبت فيه قدم ولا تسمع فيه كلمة ولا ترى فيه صورة ولا يقدر على اطفاء النار فكذلك يفعل بالقلب والدماغ وربما زاد الغضب فقتل صاحبه.
ومن اثار الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الاطراف وخروج الافعال عن الترتيب واستحالة الخلقة وتعاطي فعل المجانين ولو رأى الغضبان صورته في حال غضبه وقبحها لانف نفسه من تلك الحال لان قبح الباطن اعظم.
وعلاج الغضب في الشرع واضح كما في الكتاب والسنة وهذه بعض طرق العلاج :
الاول: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله، إنه سميع عليم) الاعراف ـ 200. روى البخاري ومسلم: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه مايجد، لو قال: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ).
الثانــي: ان يتفكر في الاخبار الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال كما جاء في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا استأذن على عمر رضي الله عنه فاذن له فقال له: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا. فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم ان يوقع به فقال الحر بن قيس: يا امير المؤمنين ان الله عزل وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) الاعراف ـ 199، وان هذا من الجاهلين فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل.
الثالـــث: ان يخوف نفسه من عقاب الله تعالى وهو ان يقول : قدرة الله علي اعظم من قدرتي على هذا الانسان فلو امضيت فيه غضبي لم آمن ان يمضي الله عز وجل غضبه علي يوم القيامة فانا احوج ما اكون الى العفو.
الرابــــع: ان يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمير العدو في هدم اعراضه والشماتة بمصائبه فان الانسان لا يخلو من المصائب فيخوف نفسه ذلك في الدنيا ان لم يخف من الاخرة وهذا هو تسليط شهوة على غضب ولا ثواب عليه، لانه تقديم لبعض الحظوظ على بعض الا ان يكون محذوره ان يتغير عليه امر يعينه على الآخرة فيثاب على ذلك...
اللهم ارزقنا الحلم عند الغضب